إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

سكان جنوب السودان يرزحون تحت وطأة سيولٍ غير مسبوقة بينما تتسارع وتيرة تغير المناخ

قصص

سكان جنوب السودان يرزحون تحت وطأة سيولٍ غير مسبوقة بينما تتسارع وتيرة تغير المناخ

تستدعي الحاجة توفير المساعدة قبل حلول موسم الأمطار لإعانة الفئات الأكثر ضعفاً من الأشخاص البالغ عددهم 835,000 شخصٍ والذين طالتهم تأثيرات الفيضانات في الدولة الأحدث عهداً في العالم.
1 أبريل 2022 متوفر أيضاً باللغات:

عند بزوغ الفجر، تنزل تشولول جوك – 70 عاماً – في المياه العكرة التي تغمرها حتى كتفيها وتتجول متفقدةً الساتر الترابي الهش المحيط بالكوخين الصغيرين حيث تقيم مع عائلتها المؤلفة من سبعة أشخاص.


تضع أغطية بلاستيكية في الثقوب وتجرف الطين لسد الفجوات التي تتسرب المياه منها في صراعها اليومي لحجز مياه الفيضان.

وقالت: "إنها الطريقة الوحيدة لمنع المياه من الدخول إلى بيتي.. فإن تهاوى الساتر الترابي، ستجرفنا المياه جميعاً – وهذا ما أخشاه".

ما زال ثلاثة من أولاد تشولول الـ18 على قد الحياة، وهي من بين آلاف سكان مقاطعة فانغاك في ولاية جونقلي الواقعة شرقي جنوب السودان والذين يصارعون أسوأ فيضانات شهدوها في حياتهم.

أدى هطول الأمطار بغزارة غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الماضية في ولاية أعالي النيل، والسيول القادمة من المنابع في المقاطعات الأخرى، إلى إغراق الأراضي التي كان السكان يربون فيها الماعز ويزرعون الذرة البيضاء والفول السوداني، بينما لم تتح الفرصة لتراجع منسوب المياه بين المواسم الماطرة.

أغرقت السيول مسكن جوك مرتين، ولم تتمكن من زراعة المحاصيل خلال العامين الماضيين. وبعد اضطرارهم للانتقال بعيداً، احتمت مع عائلتها خلف ساتر للسيول طوله 80 متراً مع بعضٍ من رؤوس الماعز التي يمتلكونها.

وقالت: "قضينا العامين الماضيين ونحن نصارع على جبهتين: الجوع وإبقاء المياه على الجانب الآخر [من الساتر]. نخلد للنوم جائعين كل يوم لأن الطعام غير متوفر لدينا".

وتشير المعلومات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن أكثر من 835,000 شخص مثل جوك قد طالتهم تأثيرات السيول في جنوب السودان، وهي في الأصل تعاني من الضعف نتيجة الصراع القائم فيها منذ استقلالها عن السودان في عام 2011.

وقد أثرت السيول بشكلٍ كبير على 33 من مقاطعات البلاد غير الساحلية وعددها 79، وفاقمت الظروف المعيشية السيئة للسكان.

وقالت جوك منهكةً: "أصطاد السمك أحياناً، لكن في الأيام التي تكثر فيها المشاغل مثل اليوم، أركز على ترميم الساتر. التحدي الأكبر الذي يواجهنا هنا هو أن هذا العمل يتطلب طاقةً، وعندما لا يتناول الأشخاص ما يكفيهم من الطعام، لا يكون بمقدورهم العمل".

يتسبب تغير المناخ بارتفاع وتيرة وحدة الظواهر الجوية والمناخية الخطيرة مثل الأعاصير والسيول والجفاف، مما يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والغذاء والموارد المائية وسبل كسب الرزق. وقد تؤدي هذه التأثيرات إلى صراعاتٍ وكوارث إنسانية، ودورها يتعمق في التسبب بالنزوح في مختلف مناطق العالم.

كما تطال هذه التأثيرات الدول الأفقر بصورةٍ غير متكافئة، كما هو الحال في جنوب السودان، والتي تفرز أدنى مستويات انبعاثات الكربون. لطالما كانت الأراضي الرطبة في جونقلي أكثر تعرضاً لمخاطر الأمطار الغزيرة والسيول، ولكن رغم ذلك، فإن السكان يقولون بأن حدتها قد تزايدت خلال السنوات الأربع الماضية.

"هذا النوع من السيول مختلف".

وقال جميس كاي – وهو من السكان المحليين وقد زرع محاصيله في هذه الأرض على مدى معظم سنواتٍ عمره الثمانين: "في تلك الأيام وحتى خلال موسم الأمطار الغزيرة، كان بإمكان السكان أن يزرعوا أراضيهم لإنتاج الغذاء.. لكن هذا النوع من السيول مختلف".

اضطر كاي للنزوح 4 مراتٍ خلال العامين الماضيين، وهو الآن يعيش في مجمع أخيه السكني المحاط بساتر للمياه في أولد فانغاك مع زوجاته الأربع وأولادهم الـ17، ويصارع كل يومٍ لمنع اختراق المياه للحاجز الترابي.

تتلقى عائلة كاي حصصاً غذائية من برناج الأغذية العالمي، إلا أنها لا تغطي احتياجاتهم، ولذلك يقوم كاي بحياكة الشباك لصيد سمك الطين والبلطي، بينما تجمع زوجاته زنابق الماء والفواكه البرية من على متن قارب.

أصبحت الطرق الترابية التي كانوا يستخدمونها للوصول إلى السوق مغمورة بالمياه، والرحلة بالقوارب ذهاباً وإياباً إلى أقرب الأسواق تكلف بين 200 و400 جنيه جنوب سوداني (بين 0.45 و0.90 دولار أمريكي)، وهي تكلفة لا يستطيع الكثيرون تحملها.

حتى مدرج الطائرات القريب أصبح مغموراً بالمياه، مما يجعل المجتمع معزولاً عن بقية البلاد، مع اقتصار وسائل التنقل على القوارب والزوارق الآلية. كما تنعدم خدمات الرعاية الصحية الأولية كلياً خارج أولد فانغاك، والتي تتواجد فيها المنشأة الصحية الوحيدة العاملة في المقاطعة والتي تديرها منظمة أطباء بلا حدود.

ولا يحصل الأطفال في عمر الدراسة على أي مساعدات غذائية، ويترتب على العائلات دفع المال لملاك القوارب المحليين لنقل أطفالهم إلى المدرسة، حيث كانوا يذهبون في السابق سيراً على الأقدام دون تكلفة إضافية.

وأضاف كاي: "علينا دفع المال لاستخدام هذه القوارب، ولا يتوفر لدينا ما يكفي لإرسال 10 أطفالٍ إلى المدرسة. وعندما لا يتوفر المال، ذلك يعني بأن الأطفال مضطرون لقضاء اليوم أو الأسبوع في المنزل".

أجبر الجوع وتشكل السيول الكثير من العائلات على الرحيل من أولد فانغاك والاتجاه إلى ملكال وغيرها من بلدات المنطقة.

أما الأشخاص الذين ظلوا هناك، فإنهم يعملون معاً لبناء وترميم السواتر المحيطة بمنازلهم. ولكن دون عودة الحياة إلى طبيعتها بين مواسم الأمطار – واقتراب موسم آخر في مايو – بدأت عزيمتهم تتلاشى إلى درجة أنهم أصبحوا معها الآن يواجهون خطراً وشيكاً على حياتهم.

ويقول كاي بأن المجتمعات بحاجة إلى مضخات لإبعاد المياه عن مساكنهم المطوقة قبل حلول موسم الأمطار. كما تستدعي الحاجة توفير معداتٍ ثقيلة تمكنهم من تشييد حواجز متينة وبناء منصات لإبقاء مواشيهم على قيد الحياة.

واستطرد كاي قائلاً: "لم تهزمنا الجماعات المتمردة، ويجب علينا ألا نستسلم في مواجهة السيول.. علينا أن نستمر بالكفاح وأن نبقى أقوياء".

قدمت المفوضية أغطيةً بلاستيكية وخراطيم ومجارف وأكياس رمل للمساعدة في تدعيم حواجز المياه، وتوفر المساعدة للأسر التي نزحت إلى ملكال وغيرها من البلدات نتيجة السيول. إلا أن إمكانية وصول المساعدات الإنسانية محدودة بسبب الطرق التي غمرتها المياه أو جرفتها الفيضانات ومهابط الطائرات الغارقة بالمياه.

وانسجاماً مع سعيها لاستقطاب الاستثمارات المستقبلية ولتعزيز الجهوزية العملياتية في المناطق المعرضة لمخاطر المناخ، تدعو المفوضية أيضاً الحكومة والمجتمعين الدولي والإنساني لتكثيف المساعدات المقدمة للمتضررين من حالة الطوارئ المناخية قبل حلول موسم الأمطار.

"بذلنا ما بوسعنا، لكن المياه تستمر بالتدفق".

وقال أندرو هاربر، المستشار الخاص للمفوضية بشأن العمل المناخي، متحدثاً للمراسلين أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده في جوبا – عاصمة جنوب السودان – بعد جولته في المناطق التي طالتها السيول في مارس: "تتأثر جنوب السودان – وهي أحدث دول العالم عهداً – بالصراع وبتحديات تغير المناخ أيضاً".

وتابع قائلاً: "هناك روح قوية من التلاحم الاجتماعي والتكيف في مواجهة التغييرات، وهم يفعلون ما بوسعهم لحماية مجتمعاتهم ومزارعهم ومواشيهم، إلا أنهم بحاجة إلى الدعم".

وأضاف: "لا أعتقد بأنه من المنصف أن نترك سيدةً كبيرة في السن تشيد السواتر في قريتها بأيديها، بينما توجد موارد وفيرة [للقيام بذلك]".

وأكد هاربر بأن المساعدات يجب أن تدعم جهود المجتمعات في مجال الاستعداد لموسم الأمطار المقبل، وتطوير سبل الاستجابة للتخفيف من الآثار الناجمة عن تغير المناخ والتكيف معها على المديين المتوسط والبعيد.

تتوق جوك التي أنهكها الصراع غير المتكافئ مع المياه إلى وصول المساعدات: "نحن منهكون ونعاني الأمرين ومشكلة السيول أصبحت أكبر من قدرتنا. لقد بذلنا ما بوسعنا، لكن المياه تستمر بالتدفق".

ساهم في كتابة هذه القصة أيضاً تيم غينر في جوبا، جنوب السودان.

للتبرع